مرحبا بكم في مجموعة كوفينا البريدية

الاثنين، 8 أغسطس 2011

قواعد قرآنية : القاعدة الثامنة

قواعد قرآنية : القاعدة الثامنة


008قواعد%20قرآنية.jpg?psid=1






{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ،،، الزمر : 7 ..


بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ مرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج ( قواعد قرآنية) ، نقف فيه مع قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة ، التي تؤسس لمبدأً من أشرف المبادئ ألا و هو مبدا العدل ، وهذه القاعدة لطالما استشهد بها العلماء والحكماء لعظيم أثرها في باب العدل والإنصاف ، تلكم هي القاعدة التي دل عليها قوله تعالى : {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الزمر : 7 ..


والمعنى : أن المُكلفين إنما يُجازون بأعمالهم إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر ، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئةَ أحد ما لم يكن سبب فيها ، وهذا من كمال عدل الله تبارك وتعالى وحكمته .
وتأمل في التعبير عن الإثم بالوزر ؛ و لعل الحكمة في ذلك لأن الوِزر هو الحِمل ـ وهو ما يحمله المرء على ظهره ـ فعبر عن الإثم بالوزر لأنه يُتَخّيَلُ ثقيلاً على نفس المؤمن .. ينظر : التحرير والتنوير لابن عاشور 5/293.


وهذه القاعدة القرآنية تكرر تقريرها في كتاب الله تعالى خمس مرات ، وهذا ـ بلا شك ـ له دلالته ومغزاه .
و هذا المعنى الذي دلت عليه القاعدة ليس من خصائص هذه الأمة المحمدية ، بل هو عام في جميع الشرائع ، تأمل قوله تعالى : {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (*) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (*) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (*) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (*) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (*) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (*) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (*) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (*) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} ،،، النجم: 33 - 41.


وهذا المعنى الذي قررته هذه القاعدة لا يُعارض ما دلّ عليه قوله تعالى : {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} ،،، [العنكبوت: 13]، و لا يُعارض قولُه تعالى : {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} ،،، [النحل: 25] ؛ لأن هذه النصوص تدل على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب ، وإثم الذين أضلهم بقوله وفعله ، كما أن الدُعاة إلى الله تعالى في المُقابل يُثيبهم الله على عملهم وعمل من اهتدى بهديهم ، واستفاد من علمهم .


ولهذا لما اجتهد جماعة من الكفار في إبقاء بعض الناس على ما هم عليه من الكفر ، أو حث من كان مؤمناً ليكفر بدينه أغروهم بأمر هو خلاف هذه القاعدة تماماً ، فقالوا ـ كما حكى الله عنهم ـ : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} ،،، العنكبوت: 12، 13


و إذا تأملت في كلام العلماء في كتب التفسير والحديث والعقائد ، والفقه ، وغيرها رأيت عجباً من كثرة الاستدلال بهذه القاعدة في مواطن كثيرة :
فكم من رأي نقضه فقيه استدلالا بهذه الآية ، بل كم مسألة عقدية صار الصواب فيها مع المُستدِل بهذه الآية ، والمقام ليس مقام عرض لهذه المسائل ، بل المقصود التنبيه على عظيم موقعها .


وإذا أردنا أن نبحث عن أمثلة تطبيقية لهذه القاعدة في كتاب الله ، فإن من أشهر الأمثلة وأظهرها تطبيق نبي الله يوسف صلى الله عليه وسلم لها ، وذلك أنه حينما احتال على أخذ أخيه بنيامين ، بوضع السقاية في رحل أخيه ـ في القصة المعروفة ـ جاء إخوته يقولون : {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ،،، يوسف: 78 فأجابهم يوسف عليه السلام قائلاً : {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ } ،،، يوسف : 79.


قارن هذا ـ بارك الله فيك ـ بقول فرعون حينما قال له كَهَنته : إنه سيُولد من بني إسرائيل غلامٌ ستكون نهاية مُلكك على يده ! فماذا فعل ؟ لقد أصدر مرسومه الظالم بقتل جميع من يُولد من بني إسرائيل ـ وهم آلاف وربما أضعاف ذلك بعشرات ـ من أجل أن يضمن أنه قضى على ذلك الطفل ؛ و هو طفلٍ واحد فقط !! ولكن من كان يقول للناس : أنا ربكم الأعلى لا يُستغرب منه هذا الأمر الخُسْر !


وفي الواقع ثمة أناس ساروا على هدي يوسف عليه السلام ؛،فتراهم لا يؤاخذون إلا من أخطأ أو تسبب في الخطأ ، ولا يوسعون دائرة اللوم على من ليس له صلة بالخطأ ، بحجة القرابة أو الصداقة أو الزمالة ما لم يتبين خلاف ذلك !

وفي المقابل فمن الناس من يأخذ المُحسنين أو البُرءاء بذنب المُسيئين ..


وإليك هذه الصورة التي قد تكرر كثيراً في واقع بيوتنا :
يعود الرجل من عمله مُتعباً ، فيدخل البيت فيجد ما لا يُعجبه من بعض أطفاله : إما من إتلاف تحفة ، أو تحطيم زجاجة ، أو يرى ما لا يُعجبه من قِبَلِ زوجته: كتأخرها في إعداد الطعام ، أو عدم إتقان في صنعه ، أو غير ذلك من الأمور التي قد تستثير بعض الناس ، فإذا افترضنا أن هذه المواقف مما تستثير الغضب ، أو أن هناك خطأً يستحق التنبيه ، أو التوبيخ ، فما ذنب بقية الأولاد الذين لم يُشاركوا في كسر تلك التحفة ـ مثلاً ـ؟! وما ذنب الأولاد أن يَصُبَّ عليهم جام غضبه إذا قصرت الزوجة في شيء من أمر الطعام ؟! و العكس أيضا ؛ ما ذنب الزوجة ـ مثلاً ـ حينما يكون المُخطئ هم الأولاد؟!


ومثل هذا يُقال في علاقة المعلم والمعلمة مع طلابهم ، أو في علاقة المسؤول في عمله ، فإن المُفترض من هؤلاء ألا ينقلوا مشاكلهم إلى أماكن عملهم ، فيكون من تحت أيديهم من الطلاب والطالبات أو المُوظفين ضحية لمشاكل ليس لهم علاقة بها !!


وهنا يستحضر المؤمن المعظم لكلام الله عز و جل أموراً ، من أهمها :
أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة : {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ،،، فإن هذا خيرٌ وأحسن تأويلاً ، وأقرب إلى العدل والقسط الذي قامت عليه السماوات والأرض .


وثمة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية ، وهو أن البعض يظن أن هذه القاعدة مُخالفة لما يراه من بعض العُقوبات الإلهية التي قدتُصيب مجتمعاً من المجتمعات ، أو بلداً من البلاد ، أو طائفة من الطوائف حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي ، و يُستعلن بها ؛ وسَبَبُ خطأ هذا الفهم ، أن المنكر إذا استعلن به الناس ، ولم يوجد من يُنكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادراً على الإنكار ولم يُنكر ، سواءٌ كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان ، ولا عذر لأحد بترك إنكار القلب ، فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة ـ عياذاً بالله ـ مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة ، وإن وجد فيهم بعض الصالحين .


تأمل معي قول الله تعالى : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ،،، الأنفال : 25
يقول العلامة السعدي ( رحمه الله ) في تفسير هذه الآية : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }
بل تصيب فاعل الظلم وغيره ، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يُغير ، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره ، وتُقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر ، وقمع أهل الشر والفساد ، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن . انتهى كلمه رحمه الله ..


ويُوضح معنى هذه الآية الكريمة جملة من الأحاديث التي وردت فيهذا المعنى ؛ و من ذلك ما رواه الإمام أحمد : بسند حسن ـ كما يقول الحافظ ابن حجر ـ من حديث عدي بن عميرة رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "إن الله عز وجل لا يُعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ـ وهم قادرون على أن يُنكروه ـ فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة " ،،، فتح الباري لابن حجر (13/4 )


وروى الإمام أحمد : في مسنده بسند جيد عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه أنه خطب الناس فقال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله ؛ {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ،،،، سمعت رسول الله صلى الله عنه و سلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم يُنكروه يُوشك أن يعمهم الله بعقابه".

وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش رضى الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت له : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : "نعم إذا كثر الخبث".


والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، يضيق المقام بذكرها وعرضها ، إنما المقصود من ذكر ما تقدم إزالة هذا الإشكال الذي قد يعرض للبعض في فهم هذه القاعدة القرآنية العظيمة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .



--
  

             

                                           


__________________________________________
هل ترغب في  نشر إيميل عبر كوفينا  ماعليك سوى ارسال مشاركتك على العنوان التالي وسيتم مراجعتها ونشرها 
للاشتراك في مجموعة كوفينا إرسل إيميل فارغ الى العنوان التالي 
ارشيف الايميلات على مدونة كوفينا 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق