مرحبا بكم في مجموعة كوفينا البريدية

الأحد، 7 أغسطس 2011

قواعد قرآنية : القاعدة السابعة

007قواعد%20قرآنية.png?psid=1


قواعد قرآنية : القاعدة السابعة


{ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } ،،، التوبة :91



بسم الله الرحمن الرحيم ؛ الحمد لله و الصلاة و السلام على عبده و رسوله و مُصطفاه نبينا و إمامنا و سيدنا محمد بن عبد الله و على آله و صحبه و من والاه ، أما بعد : 

فهذه قاعدة جديدة من برنامج : (قواعد قرآنية ) ، نقف فيها مع قاعدة من قواعد التعامل الإنساني ، تلكم القاعدة هي ما دل عليها قوله تعالى : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } ،،، التوبة :91

 وردت هذه القاعدة في سياق الحديث عن موقفٍ سجله القرآن لبيان أصناف المُعتذرين عن غزوة تبوك ـ والتي وقعت في شهر رجب من السنة التاسعة من الهجرة ـ و لبيان مَنْ هم الذين يُعذرون والذين لا يُعذرون ؟!


 استمع لقوله سبحانه وتعالى : { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ،،، التوبة: 90 - 93


 والمعنى : "ليس على أهل الأعذار الصحيحة من ضعف أبدان أو مرض ، أو عدم نفقةٍ ؛ ليس عليهم إثمٌ ، بشرط لا بد منه ، وهو : "إذا نصحوا " أي : ينصحوا بنياتهم وأقوالهم سراً وجهراً ، بحيث لا يُرجفون بالناس ، ولايثُبطونهم ، وهم مُحسنون في حالهم هذا...، ثم أكد الله سبحانه و تعالى الرجاء بقوله " والله غفور رحيم" ،،، يُنظر: المحرر الوجيز ـ موافق للمطبوع - (3 / 78) ، تفسير ابن كثير / دار الفكر - 2 / 464.

 ( ما على المحسنين من سبيل  ) : وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل مُحسن .. (تفسير القرطبي )
 ( ما على المحسنين من سبيل  ) : أي ليس على المعذورين الناصحين من سبيل : أي طريق عقاب ومؤاخذة ، ( فتح القدير ) .. 
 ( ما على المحسنين من سبيل  ) يقول : ليس على من أحسن فنصح لله ولرسوله في تخلفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد معه - لعذر يُعذر به - طريق يتطرق عليه فيُعاقب من قبله ( والله غفور رحيم  ) يقول : والله ساتر على ذنوب المُحسنين ، يتغمدها بعفوه لهم عنها ( رحيم ) بهم أن يُعاقبهم عليها . (تفسير الطبري)
 (ما على المحسنين من سبيل ) ، أي : من لائمة تُناط بهم أو عقوبة . (التفسير الكبير المسمى البحر المحيط)


 وبما أن القاعدة المُقررة عند أكثر أهل العلم هي : أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهذا يعني توسيع دلالة هذه القاعدة القرآنية التي دل عليها قوله سبحانه : (ما على المُحسنين من سبيل ) ..
وهذا يدل على أن الأصل هو سلامة المسلم من أن يُلزم بأي تكليف سوى تكليف الشرع ، كما أن الآية تدل بعمومها أن الأصل براءة الذمة من إلزام الإنسان بأي شيء فيما بينه وبين الناس حتى يثبت ذلك بأي وسيلة من وسائل الإثبات المُعتبرة شرعاً و عُرفا .


أيها المحب لكتاب ربه : لقد كانت هذه الآية ـ ولا زالت ـ دليلاً يفزع إليه العلماء في الاستدلال بها في أبواب كثيرة من الفقه و غيره ، خلاصة ذلك يعود إلى أنه "من أحسن على غيره ، في نفسه أو في ماله ، ونحو ذلك ، ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف ، فإنه غير ضامن لأنه مُحسن ، ولا سبيل على المُحسنين ، كما أنه يدل على أن غير المُحسن - وهو المُسيء – كالمُفرط ، فإن عليه الضمان" .. تفسير السعدي : (347).


 وإذا تجاوزنا الجانب الفقهي الذي أشرتُ إليه بإجمال ، فلنتلفت قليلاً إلى ميدان من الميادين التي نحتاج فيها إلى هذه القاعدة .. ذلك أن حياتنا تحفلُ بمواقف كثيرة يُفْتَحُ فيها باب الإحسان ، وتُتاح لآخرين أن يُحسنوا على غيرهم فيُبادروا بتقديم خدمة ما ، وأول هؤلاء هم أهل بيت الإنسان : من والد أو والدة أو زوجة أو زوج أو ولد ! فمن المُؤسف أن يتجانب البعض هداية هذه القاعدة القرآنية ، فيُلحقوا غيرهم اللوم والعتاب الشديد ، مع أنهم مُحسنون مُتبرعون ، فيُساهمون ـ بذلك ـ شعروا أم لم يشعروا بإغلاق باب الإحسان أو تضييق دائرته بين العباد .


 أخي المُوفق : تأمل هذا الصورة : يسعى أحد الناس في محاولة إتقان عملٍ دعوي ، أو اجتماعي مُصلح ، أو عائلي مُثمر ، ويبذل فيه جهده ، وربما يبذل ماله ، ويسير بعزمات ووثبات ، وهو في هذا الأثناء يطلب من غيره أن يُساعده ويُعينه على العمل فلا يجد مُواسيا ، فيمضي وحده ، ويجتهد مُثابراً لينجح العمل و يظهر بالمظهر المُشرف ، فإذا جاءت ساعة الاستفادة من هذا العمل ، وظهرت بعض الثغرات ، وظهر فيه بعض النقص الذي لا يسلم منه عمل البشر ، فإذا به ـ بدلاً من أن يُقابل بالشكر والتقدير مع التنبيه على الأخطاء بأسلوب لطيف ـ! فإنه يُقابل بعاصفة من اللوم والعتاب ، مع أن هذا الشخص قد يكون استنجد بغيره للمساعدة لكنه لم يجد أحدا ، فواصل العمل وحده ، فلما حان أوان قطاف الثمرة ، لم يجد – للأسف – ممن حوله إلا اللوم والعتاب ، بسبب قلة حيلته ، وضعف قدرته ، أليس هذا من أحق الناس بقوله تعالى : {ما على المحسنين من سبيل} ؟!


أو ليس أولئك خليقون بأن يُقال لهم : 
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ *** من اللوم ، أو سُدوا المكان الذي سدوا


 وأمثال هذه الصورة تتكرر في مواقف أخرى .. في البيت ، في المدرسة ، في المؤسسة ، وفي الشركة ، في الدائرة الحكومية ، وفي العمل الإعلامي ، و في التعامل مع العلماء والدعاة والمُحتسبين و غيرهم ، فما أحوجنا إلى استشعار هذه القاعدة ، وطريقة التعامل مع أوهام أو أخطاء المُحسنين ؛ لكي لا ينقطع باب الإحسان و لا يُغلق ، فإنه إذا كثر اللوم على المُحسنين والمُتبرعين ، وتقاعس من يُفترض منهم العمل ، فمن يبقى للأمة ، 


وهذا كلّه ـ بلا ريب ـ لا يعني السكوت عن التنبيه على الأخطاء أو التذكير بمواضع الصواب التي كان يُفترض أن يُنبه عليها ، ولكن المهم أن يكون ذلك بأسلوب يحفظ جهد المُحسن ، ولا يُفوت فرصة التنبيه على الخطأ ؛ ليرتقي العمل ، ويزداد جودة وجمالاً .. 


ومن المُهم ـ أيضاً ـ ونحن نتحدث عن هذه القاعدة القرآنية ، أن لا نخلط بين ما تقدم وبين مسألة يغفل عنها البعض ؛ ألا و هى أن الإنسان حينما يلتزم بشئ ما و يعد به ؛ ثم يتخلى عنه بحجة أنه مُحسن ، فإن هذا من الفهم المغلوط لهذه القاعدة ، ذلك أن الإنسان قبل أن يلتزم بوعد لطرف آخر فهو في دائرة الفضل والإحسان ، بلا شك ؛ لكن إن التزم بتنفيذ شيءٍ، والقيام به ، فقد انتقل إلى دائرة الوجوب الذي يستحق صاحبه الحساب والعتاب ، 


ولعل مما يقرب تصور هذا المعنى : مسألة النذر ، فإن النذر إلزام المُكلف نفسه بشيءٍ لم يكن واجباً عليه بأصل الشرع ، كمن نذر أن يتصدق بألف ريال ، فهذا قبل نذره لا يلزمه أن يتصدق ولا بريال واحد ، لكنه لما نذر ، فقد التزم ، فوجب عليه حينئذ أن يفي ، وهكذا ما نحن بصدده ،

 وإنما نبهت على هذا لأن من الناس من أساء فهم هذه القاعدة ، وبسطها في غير موضعها ، فصار ذلك سبباً في وجود النُفرة بين بعض الناس ؛ لأن أحد الطرفين اعتقد التزام الطرف الآخر ، فاعتمد عليه ـ بعد الله عز و جل ـ ثم تخلى ذلك الطرف الذي التزم : تخلى عما التزم به بحُجة أنه مُحسن فوقع خلاف المقصود بحُجة أنه مُحسن ..

-- 
  

             

                                           


__________________________________________
هل ترغب في  نشر إيميل عبر كوفينا  ماعليك سوى ارسال مشاركتك على العنوان التالي وسيتم مراجعتها ونشرها 
للاشتراك في مجموعة كوفينا إرسل إيميل فارغ الى العنوان التالي 
ارشيف الايميلات على مدونة كوفينا 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق