مرحبا بكم في مجموعة كوفينا البريدية

الجمعة، 5 أغسطس 2011

قواعد قرآنية : القاعدة الخامسة


005قواعد%20قرآنية.png?psid=1

--

قواعد قرآنية : القاعدة الخامسة 

{وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .. طه : 61


الحمد لله ، وبعد : هذه حلقة جديدة من برنامج : ( قواعد قرآنية ) ، نقف فيه مع قاعدة من قواعد التعامل مع الغير ، ومن القواعد التي تُعالج شيئاً من الأخلاق الرذيلة عند بعض الناس ، تلكم القاعدة هي قوله تعالى : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } ..



وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق قصة موسى عليه السلام مع فرعون وسحرته الذين هداهم الله ، يقول سبحانه وتعالى عن فرعون : {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} ،،، طه : 56 - 62.


والافتراء يُطلق على معانٍ منها : الكذب ، والشرك ، والظلم ، وقد جاء القرآن بهذه المعاني الثلاث ، وكلها ترجع إلى مقصود واحد ؛ أو غاية واحدة و هي الفساد والإفساد ... مفردات الراغب : ( 634 )


قال ابن القيم ( رحمه الله ) مُؤكداً اضطراد هذه القاعدة : ( وقد ضمن سبحانه أنه لا بد أن يُخيب أهل الافتراء ولا يهديهم وأنه يُسحتهم بعذاب : أي يستأصلهم) ..الصواعق المرسلة - (4 / 1212) ..


وإنك ـ أخي المُتدبر ـ إذا تأملت هذه القاعدة وجدت في الواقع ـ وللأسف ـ من له منها نصيب ؛ ومن ذلك :


1 ـ الكذب والافتراء على الله عز وجل ، و هو أعظم أنواع الإفتراء ؛ إما بالقول عليه سبحانه بغير علم بأي صورة من الصور ، استمع لقول ربنا تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } .. الأنعام: 93.
وقد دلّ القرآن على أن القول على الله بغير علم هو أعظم المُحرمات على الإطلاق ! قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ،،، [الأعراف: 33] ، وأنت إذا تأملت في هذا الأمر ( أعني القول على الله عز وجل بغير علم ) وجدت أن المُشرك إنما أشرك لأنه قال على الله بغير علم !


ومثله الذي يُحلل الحرام أو يُحرم الحلال ، كما حكاه الله تعالى عن بعض أحبار بني إسرائيل .

وكذا الذين يُفتون بغير علم ، هم من جملة المُفترين على الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} .. النحل: 116


واعلم وفقك الله أن كلُّ من تكلم في الشرع بغير علم فهو من المُفترين على الله عز و جل : سواء في باب الأسماء والصفات ، أو في أبواب الحلال والحرام ، أو في غيرها من أبواب الدين .

ولأجل هذا كان كثير من السلف ( رحمهم الله ) يتورع أن يجزم فيما يُفتي به أنه هو حكم الله إذا كانت المسألة لا نص فيها قاطع ، ولا إجماع معصوم ، قال بعض السلف : "ليتق أحدكم أن يقول : أحل الله كذا ؛ وحرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ؛ ولم أحرم كذا" .. إعلام المُوقعين عن رب العالمين - (1 / 39) .


"ولهذا لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه حُكماً حكم به ، فقال : هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر ! فقال : لا تقل هكذا ، ولكن قل : هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .


وقال ابن وهب ( رحمه الله ) : سمعت مالكاً ( رحمه الله ) : يقول : "لم يكن من أمر الناس ، ولا من مضى من سلفنا ، ولا أدركت أحداً أقتدي به يقول في شيء : هذا حلال وهذا حرام ، وما كانوا يجترئون على ذلك ، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا ، ونرى هذا حسنا ؛ فينبغي هذا ولا نرى هذا" .. إعلام المُوقعين عن رب العالمين - (1 / 39) .

فعلى من لم يكن عنده علم فيما يتكلم به أن يتقي الله عز و جل و أن يُمسك لسانه ، وعلى من اُبتلي فتصدر الإفتاء الناس أن يتمثل هدي السلف في هذا الباب ، فإنه و الله خيرُ وأحسن تأويلاً .


2 ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .. ما يفعله بعض الوضاعين للحديث ـ في قديم الزمان وحديثه ـ الذين يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم ويفترون عليه : إما لغرض ـ هو بزعمهم ـ حسنٌ كالترغيب والترهيب ، أو لأغراض سياسية ، أو مذهبية ، أو تجارية ، كما وقع ذلك وللأسف منذ أزمنة متطاولة إلى يومنا هذا ..

وليعلم كل من يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم أنه من جملة المُفترين ، فلن يُفلح سعيه ، بل هو خاسر وخائب كما قال ربنا : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ، ولا ينفعه ما يظنه قصداً حسناً ـ كما زعم بعض الوضاعين ـ فإن مقام الشريعة عظيم ؛ ، وجنابها مُصان ومُحترم ، ولقد أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، فليس هو بحاجة لحديث موضوع ومُختلق ، وأي شريعةٌ تلك التي تُبنى على الكذب ، وعلى منْ ؟ على رسولها صلى الله عليه وسلم ؟


ومن المُؤسف أن يُرى لسوق الأحاديث الضعيفة والمكذوبة رواجاً في هذا العصر بواسطة الإنِّترنت ، أو رسائل الجوال ؛ فليتق العبدُ ربَّه ، ولا ينشرن شيئاً ينُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتثبت من صحته عنه .


3 ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية الكريمة المُشاهدة في الواقع : ما يقع ـ وللأسف الشديد ـ من ظلم وبغي بين بعض الناس على إخوانهم المسلمين ، وهذا له أسبابه الكثيرة ، لعل من أبرزها :
الحسد ـ عياذاً بالله منه ـ والطمع في شيء من لعاعة الدنيا ، أو لغير ذلك من الأسباب ، ويَعْظُمُ الخطب حينما يُلبِّسُ بعضُ الناس صنيعه هذا من البغي لبوسَ الدين ؛ ليبرر بذلك فعلته في الوشاية بفلان ، أو التحذير من فلان ؛ أو الاعتداء على فلان بغياً وعدواناً.
ولقد وقفتُ على كثير من القصص في هذا الباب ، منها القديم ومنها المُعاصر ، اعترف أصحابها بها ، وهي قصص تُقطع الكبد ألماً ، بسبب ما ذاقوه من عاقبة افترائهم وظلمهم لغيرهم ،. و أكتفي من ذلك بهذين الموقفين ؛ لعل في ذكرهما عظةٌ وعبرة

1 ـ تحدثتْ إحداهن ـ وهي أستاذة جامعية ومُطلقة مرتين ـ فقالت : حدثت قصتي مع الظلم قبل سبع سنوات ، فبعد طلاقي الثاني قررتُ الزواج بأحد أقاربي الذي كان ينعم بحياة هادئة مع زوجته وأولاده الخمسة ، حيث اتفقت مع ابن خالتي ـ الذي كان يُحب زوجة هذا الرجل ـ اتفقنا على اتهامها بخيانة زوجها ! وبدأنا في إطلاق الشائعات بين الأقارب ، ومع مرور الوقت نجحنا ، حيث تدهورت حياة الزوجين وانتهت بالطلاق ! وبعد مضي سنة تزوجت المرأةُ ـ التي طُلقت بسبب الشائعات ـ برجل آخر ذي منصب ، أما الرجل فتزوج امرأة غيري ، وبالتالي لم أحصل مع ابن خالتي على هدفنا المنشود ، ولكنا حصلنا على نتيجة ظلمنا حيث أصبت بسرطان الدم !
أما ابن خالتي فقد مات حرقاً مع الشاهد الثاني الذي شهد بالتُهمة ، بسبب التماس كهربائي في الشقة التي كان يُقيم فيها ، وذلك بعد ثلاث سنوات من القضية .


2 ـ أما القصة الأخرى : فيرويها شخص اسمه (حمد) : يقول هذا الشخص : عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية حدثت مُشاجرة بيني وبين أحد الطلاب المُتفوقين ، فقررت ـ بعد تلك المشاجرة ـ أن أدمر مستقبله ، فحضرت ذات يوم مُبكراً إلى المدرسة ، ومعي مجموعة من سجائر الحشيش ـ التي كنا نتعاطاها ـ ووضعتها في حقيبة ذلك الطالب ، ثم طلبت من احد أصدقائي إبلاغ الشرطة بأن في المدرسة مُروجَ مخدرات ، وبالفعل تمت الخطة بنجاح ، وكنا نحن الشهود الذين نستخدم المخدرات . يقول حمد هذا : ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني نتيجة الظلم الذي صنعته يداي ، فقبل سنتين تعرضت لحادث سيارة فقدت بسببه يدي اليمُنى ، وقد ذهبت للطالب في منزله أطلب منه السماح ، ولكنه رفض لأنني تسببت في تشويه سمعته بين أقاربه حتى صار شخصاً منبوذاً من الجميع ، وأخبرني بأنه يدعو عليّ كل ليلة ؛ لأنه خسر كل شيء بسبب تلك الفضيحة المُلفقة ، ولأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فقد استجاب الله دعوته ، فها أنا بالإضافة إلى يدي التي فقدتها أصبحت مُقعداً على كرسي مُتحرك نتيجة حادث آخر ! ومع أني أعيش حياة تعيسة ، فإني أخاف من الموت لأني أخشى عقوبة رب العباد ..
نُشرت هذه القصص في مقال للكاتب محمد بن عبدالله المنصور ، بعنوان: ( رسالة بلا عنوان !) في جريدة اليوم الإلكترونية ، عدد (11854) ، الأثنين 26/10/1426هـ ، المُوافق : 28/11/2005 م .


ومن صور تطبيقات هذه القاعدة في عصرنا :
ما يقع من بعض الكُتاب والصحفيين ، الذين يعمي بعضَهم الحرصُ على السبق الصحفي عن تحري الحقيقة ، والتثبت من الخبر الذي يُورده ، وقد يكون مُتعلقاً بأمور حساسة تطال العرض والشرف ، وليتدبروا جيداً ، هذه القاعدة القرآنية المُحكمة : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ، والقاعدة المُحكمة في باب الأخبار : { فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} ...


نسأل الله سبحانه و تعالى أن يُعيذنا و إياكم من الإفتراء عليه أو على رسوله ؛ أو البغي على عباده ..


  

             

                                           


__________________________________________
هل ترغب في  نشر إيميل عبر كوفينا  ماعليك سوى ارسال مشاركتك على العنوان التالي وسيتم مراجعتها ونشرها 
للاشتراك في مجموعة كوفينا إرسل إيميل فارغ الى العنوان التالي 
ارشيف الايميلات على مدونة كوفينا 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق