مرحبا بكم في مجموعة كوفينا البريدية

الخميس، 4 أغسطس 2011

قواعد قرانية: القاعدة الرابعة




004قواعد%20قرآنية.jpg?psid=1


القاعدة الرابعة



(بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ *وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) .. القيامة 14 - 15



الحمد لله ، وبعد :هذه حلقة جديدة من برنامج (قواعد قرآنية) ، نقف فيها مع قاعدة من قواعد التعامل مع النفس ، ووسيلة من وسائل علاجها من أدوائها ، وهي في الوقت ذاته سلّمٌ لتترقى فيه النفس قي مراقي التزكية ، فإن الله تعالى قد أقسم أحد عشر قسماً في سورة الشمس على هذا المعنى العظيم ، فقال سبحانه : "قد أفلح من زكاها" ، تلكم القاعدة هي قول الله تعالى : {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } .. القيامة : 14-15


والمعنى : أن الإنسان وإن حاول أن يُجادل أو يُماري عن أفعاله و أقواله التي يعلم من نفسه بطلانها أو خطأها ، واعتذر عن أخطاء نفسه باعتذارات ؛ فهو يعرف تماماً ما قاله وما فعله ، ولو حاول أن يستر نفسه أمام الناس ، أو يُلقي الاعتذارات ، فلا أحد أبصر ولا أعرف بما في نفسه منه .


وتأمل ـ أيها المبارك ـ كيف جاء التعبير بقوله : "بصيرة" دون غيرها من الألفاظ ؛ لأن البصيرة مُتضمنة معنى الوضوح والحُجة ، كما يُقال للإنسان : أنت حجة على نفسك ! أو انت خصيم نفسك و العلم عند الله تعالى ..


إن لهذه القاعدة القرآنية الكريمة مجالات كثيرة في واقعنا العام والخاص ، فلعنا نقف مع شيء من هذه المجالات ؛ علّنا أن نفيد منها في تقويم أخطائنا ، وتصحيح ما ندّ من سلوكنا ، فمن ذلك :


1- طريقة تعامل بعض من الناس مع النصوص الشرعية !

فلربما بلغ بعضَ الناس نصٌ واضح مُحكمٌ ، لم يختلف العلماء في دلالته على إيجاب أو تحريم ، أو تكون نفسه اطمأنت إلى حكمٍ شرعي ما في تلك المسألة ، ومع هذا تجد البعض يقع في نفسه حرجٌ ! ويُحاول أن يجد مدفعاً لهذا النص أو ذاك لأنه لم يُوافق هواه !
يقول ابن القيم رحمه الله : "فسبحان الله ! كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترد ؟ وكم من حرارة في أكبادهم منها ، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها ؟ " .. اهـ/الرسالة التبوكية .

ولا ينفع الإنسان أن يُحاول دفع النصوص بالصدر فإن الإنسان على نفسه بصيرة ، وشأن المؤمن أن يكون في هذا المقام كما قال ربنا تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. النساء : 65


يقول ابن الجوزي ( رحمه الله ) ، في كتابه الماتع الذائع الرائع (صيد الخاطر ) وهو يحكي مشاعر إنسان يعيش هذه الحال مع النصوص الشرعية ـ:
"قدرتُ مرة على لذة ظاهرها التحريم ، وتحتمل الإباحة ، إذ الأمر فيها مُتردد ، فجاهدت النفس فقالت : أنت ما تقدر فلهذا تترك ! فقارِبِ المقدورَ عليه ، فإذا تمكنتَ فتركتَ ، كنت تاركاً حقيقة ! ففعلتُ وتركتُ ، ثم عاودت مرة أخرى في تأويل أرتني فيه نفسي الجواز ـ و إن كان الأمر يحتمل ـ فلما وافقتها أثّر ذلك ظلمه في قلبي ؛ لخوفي أن يكون الأمر مُحرماً ، فرأيت أنها تارةً تقوى عليّ بالترخص والتأويل ، وتارةً أقوى عليها بالمُجاهدة والامتناع ، فإذا ترخصتُ لم آمن أن يكون ذلك الأمر محظوراً ، ثم أرى عاجلاً تأثير ذلك الفعل في القلب ، فلما لم آمن عليها بالتأويل ،... إلى أن قال رحمه الله : فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن ، وترك الترخص فيما يجوز إذا كان حاملاً ومؤدياً إلى ما لا يجوز " .. انتهى كلامه رحمه الله . صيد الخاطر : (152)


2 ـ ومن مجالات تفعيل هذه القاعدة ـ في مجال التعامل مع النفس :

أن مِنَ الناس مَنْ شُغف ـ عياذاً بالله ـ بتتبع أخطاء الناس وعُيوبهم ، مع غفلة عن عيوب نفسه ، كما قال قتادة (رحمه الله ) في تفسيره لهذه الآية : {بل الإنسان على نفسه بصيرة} .. قال : إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم ، غافلاً عن ذنوبه .. تفسير ابن جرير .. وهذا ـ بلا ريب ـ من علامات الخُذلان ، كما قال بكر بن عبدالله المُزني ( رحمه الله ) : إذا رأيتم الرجل مُوكلاً بعيوب الناس ، ناسيا لعيبه ، فاعلموا أنه قد مُكِرَ بِهِ .

ويقول الشافعي ( رحمه الله ) : بلغني أن عبدالملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف : ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه ، فعِب نفسك ولا تخبىء منها شيئاً .. حلية الأولياء ( 9/146 ) ،،،، ولهذا يقول أحد السلف : أنفع الصدق أن تقر لله بعيوب نفسك .. حلية الأولياء (9/282) ..




3-ومن مواضع تطبيق هذه القاعدة


أن ترى بعض الناس يُجادل عن نفسه في بعض المواضع ـ التي تبين فيها خطؤه ـ بما يعلم في قرارة نفسه أنه غير مُصيب ، فيعتذر عن نفسه بأعذار ويُجادل عنها ، وهو يبُصرها بخلاف ذلك .. و هذا ما لا ينبغي البتة ..


4 ـ ومن دلالات هذه القاعدة الشريفة :

أن يسعى المرء إلى التفتيش عن عيوبه ، وأن يسعى في التخلص منها قدر الطاقة ، فإن هذا نوع من جهاد النفس المحمود ، وأن لا يركن الإنسان إلى ما فيه من عيوب أو أخطاء ، بحجة أنه نشأ على هذا الخُلق أو ذاك ، أو اعتاد عليه ، فإنه لا أحد من الناس أعلم منك بنفسك وعيوبها وأخطائها وذنوبها ، وما تُسره من أخلاق ،


وإليك هذا النموذج المُشرق من حياة العلامة ابن حزم ( رحمه الله ) حيث يقول ـ في تقرير هذا المعنى
"كانت فيَّ عيوب ، فلم أزل بالرياضة ( يعني : ترويض النفس ) واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم ، والأفاضل من الحكماء المُتأخرين والمُتقدمين ـ في الأخلاق وفي آداب النفس ـ أعاني مُداواتها ، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومَنّه ، وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بأزمّة الحقائق هو الإقرار بها ، ليتعظ بذلك مُتعظ يوماً إن شاء الله .
ثم ساق الإمام ابن حزم جملة من العيوب التي كانت فيه ، وكيف حاول التغلب عليها ، ومقدار ما نجح فيه نجاحاً تاماً ، وما نجح فيه نجاحاً نسبياً ... رسائل ابن حزم (1 / 354) ..


5- ومن مواطن استفادة المؤمن من هذه القاعدة

أن الإنسان ما دام يُدرك أنه أعلم بنفسه من غيره ، وجب عليه أن يتفطن إلى أن الناس قد يمدحونه في يومٍ من الأيام ، بل قد يُفرطون في ذلك ، وفي المُقابل قد يسمع يوماً من الأيام من يضع من قدره ، أو يخفض من شأنه بنوع من الظلم والبغي ، فمن عرف نفسه : لم يغتر بمدحه بما ليس فيه ، ولم يتضرر بقدحه بما ليس فيه ، بل العاقل يستفيد من ذلك بتصحيح ما فيه من أخطاء وزلات ، ويسعى لتكميل نفسه بأنواع الكمالات البشرية قدر المستطاع .




وخاتمة هذه المجالات التي يُمكن الاستفادة منها في ظل هذه القاعدة القرآنية الشريفة


أن من أكبر ثمرات البصيرة بالنفس ، أن يُوفق الإنسان إلى الاعتراف بالذنب والخطأ ، وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين ، وتأمل في قول أبوينا ( عليهما الصلاة و السلام ) ـ حين أكلا من الشجرة ـ: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23 ]، ثم نقرأ في القرآن الكريم اعتراف نوح وموسى عليهما السلام في سلسلة مُتتابعة من الإعترافات بالذنب كان من آخرها ما أثبته القرآن عن أولئك المُنافقين الذين اعترفوا بذنوبهم فسلموا فتِيب عليهم ، قال تعالى : {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .. التوبة : 102 ،،،، "فعلم أن من لم يعترف بذنبه كان من المنافقين" .. الصارم المسلول - (1 / 362) .

ومع توديعة الختام أهمس : أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه *** عنك فإن جحودَ الذنب ذنبانِ



أسأل الله تعالى أن يُبصرنا بعيوبنا ، وأن يقينا شح أنفسنا ..
--
  

             

                                           


__________________________________________
هل ترغب في  نشر إيميل عبر كوفينا  ماعليك سوى ارسال مشاركتك على العنوان التالي وسيتم مراجعتها ونشرها 
للاشتراك في مجموعة كوفينا إرسل إيميل فارغ الى العنوان التالي 
ارشيف الايميلات على مدونة كوفينا 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق