مرحبا بكم في مجموعة كوفينا البريدية

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

قواعد قرآنية / 3

  

             


القاعدة الثالثة


{ ولا تنسوا الفضل بينكم} ،،، البقرة : 237
الحمد لله ، وبعد :



فهذه قاعدة أخرى في مسرد موضوعنا المُتجدد : (قواعد قرآنية) ، وهي قاعدة سامقة الفروع ، باسقة الجذوع ؛ لأنها من القواعد السلوكية التي تدل على عظمة هذا الدين ، وشموله ، وروعة مبادئه ، إنها القاعدة التي دلّ عليها قوله تعالى {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ..البقرة : 237




وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق آيات الطلاق في سورة البقرة ، يقول ربنا تبارك وتعالى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ... البقرة : 237

والمعنى : أن الله تعالى يأمر من جمعتهم علاقة من أقدس العلاقات الإنسانية ـ وهي علاقة الزواج ـ أن لا ينسوا ـ في غمرة التأثر بهذا الفراق والانفصال ـ ما بينهم من سابق العشرة ، والمودة والرحمة ، والمعاملة .


وهذه القاعدة جاءت بعد ذلك التوجيه بالعفو : {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ،،، كلُّ ذلك لزيادة الترغيب في العفو والتفضل الدنيوي .

وتأمل في التأكيد على عدم النسيان ، والمُراد به الإهمال وقلة الاعتناء ، وليس المُراد النهي عن النسيان بمعناه المعروف ؛ فإن هذا ليس بوسع الإنسان .


وفي قوله : {إن الله بما تعملون بصير} ---- تعليل و تعريض : تعليل للترغيب في عدم إهمال الفضل ، وتعريض بأن في العفو مرضاة الله تعالى ، فهو ( عز و جل ) يرى ذلك منا فيجازينا عليه أحسن الجزاء .. يُنظر: التحرير والتنوير لابن عاشور بتصرف .


إن العلاقة الزوجية ـ في الأعم الأغلب ـ لا تخلو من جوانب مُشرقة ، ومن وقفات وفاء من الزوجين لبعضهما ، فإذا قُدّر وآل هذا العقد إلى حل عقدته بالطلاق ، فإن هذا لا يعني نسيان ما كان بين الزوجين من مواقف الفضل والوفاء ، ولئن تفارقت الأبدان ، فإن الجانب الخُلقي ينبغي أن يبقى وألا يذهب هذا الجانب بمثل هذه الأحوال العارضة .

وتأمل في أثر العفو ، فإنه : يقرّب إليك البعيد ، ويصيّر العدو لك صديقاً .

بل وتذكر ـ يا من تعفو ـ أنه يوشك أن تقترف يوما من الأيام ذنباً ، فيُعفى عنك إذا تعارف الناس الفضل بينهم ، بخلاف ما إذا أصبحوا لا يتنازلون عن الحق .

ولله ! ما أعظم هذه القاعدة لو تم تطبيقها بين الأزواج حين يؤؤل أمرهم إلى الإنفصال و الطلاق ، بل ما أعظمها لو طُبقت بين كل من تجمعنا بهم رابطة أو علاقة من العلاقات !

لقد ضرب بعض الأزواج ـ من الجنسين ـ أروع الأمثلة في الوفاء ، وحفظ العشرة ، سواء لمن حصل بينهم وبين أزواجهم فراق بالطلاق ، أو بالوفاة ،




أذكر نموذجاً وقفتُ عليه ، ربما يكون نادراً ، وهو لشخص أعرفه ، طلق زوجته ـ التي له منها أولاد ـ فما كان منه إلا أسكنها في الدور العلوي مع أولاده الذين بقوا عندها ، وسكن هو في الدور الأرضي ، وصار هو الذي يُسدد فواتير الاتصالات والكهرباء ويقوم تطوعا تفضلاً بالنفقة على مطلقته ، حتى إن كثيراً ممن حوله من سكان الحي لا يدرون أنه مُطلق ! وإني لأحسبه ممن بلغ الغاية في امتثال هذا التوجيه الرباني : {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}..، نعم هذا مثال عزيز و نادر ؛ لكني أذكره لأُبين أن في الناس خيراً ،



دعونا نتوقف قليلاً عند موقف عملي ممن كان خلقَه القرآن صلى الله عليه و سلم ؛ لنرى كيف كان يتمثل ويمتثل القرآن عملياً في حياته : وذلك أنه صلى الله عليه و سلم أنه لما رجع من الطائف ، بعد أن بقي شهراً يدعو أهلها ، ولم يجد منهم إلا الأذى ، رجع إلى مكة ، فدخل في جوار المُطعم بن عدي ، فأمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح ، وقام كل واحد منهم عند الركن من الكعبة ، فبلغ ذلك قريشاً فقالوا له : أنت الرجل الذي لا تُخفر ذمتك !

ومات المُطعم مُشركاً ، لكن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينس له ذلك الفضل ، فأراد النبي صلى الله عليه و سلم أن يُعبر عن امتنانه لقبول المُطعم بن عدي أن يكون صلى الله عليه و سلم في جواره في وقت كانت مكة كلها إلا نفراً يسيراً ضد النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما انتهت غزوة بدر ـ كما في البخاري : قال صلى الله عليه و سلم : "لو كان المُطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له " .. صحيح البخاري ، رقم -- 3139

والمعنى : لو طلب مني تركهم وإطلاقهم من الأسر بغير فداء لفعلت ؛ ذلك مكافأة له على فضله السابق في قبول الجوار ، فصلوات الله وسلامه على مُعلم الناس الخير .


وإن في حياتنا صنوفاً من العلاقات ـ سوى علاقة الزواج ـ: إما علاقة قرابة ، أو مُصاهرة ، أو علاقة عمل ، أو صداقة ، أو يد فضل ، فما أحرانا أن نُطبق هذه القاعدة في حياتنا ؛ ليبقى الود ، ولتُحفظ الحقوق ، وتتصافى القلوب ، وكصفاء الشهد بل أنقى ، وكرونق الزهر بل أعطر و أزكى ؛ وإلا فإن مُجانبة تطبيق هذه القاعدة الأخلاقية العظيمة ، يعني مزيداً من التفكك والتباعد والشقاق ، ووأداً لبعض الأخلاق الشريفة ..

ومن العلاقات التي لا يكاد ينفك عنها أحدنا : علاقة العمل : سواء كان حكومياً أو خاصاً ، أو تجارةً ، فقد تجمعنا بأحد من الناس علاقة عمل ، وقد تقتضي الظروف أن يحصل الاستغناء عن أحد الموظفين ، أو انتقال أحد الأطراف إلى مكان عمل آخر برغبته واختياره ، و ربما بغير اختياره .. وهذا موضع من مواضع هذه القاعدة : فلا ينبغي أن ينُسى الفضل بين الطرفين ، فكم هو جميل أن يبُادر أحد الطرفين إلى إشعار الطرف الآخر ، أنه وإن تفرقنا ـ بعد مدة من التعاون ـ فإن ظرف الانتقال لا يمكن أن يُنسينا ما كان بيننا من ود واحترام ، وتعاون على مصالح مشتركة ، ولذا فإنك تشكر أولئك الأفراد ، وتلك المُؤسسات التي تعبر عن هذه القاعدة عملياً بحفل تكريمي أو توديعي لذلك الطرف ، فإن هذا من الذكريات الجميلة التي لا ينساها المُحتفى به ، وإذا أردتَ أن تعرف موقع وأثر مثل هذه المواقف الجميلة ، فانظر إلى الأثر النفسي السلبي الذي يتركه عدم المُبالاة بمن بذلوا وخدموا في مؤسساتهم الحكومية أو الخاصة لعدة سنوات ، فلا يصلهم ولا خطاب شكر .


ـ ومن ميادين تطبيق هذه القاعدة : الوفاء للمُعلمين ، وحفظ أثرهم الحسن في نفس المُتعلم .
أعرف مُعلماً من رواد التعليم في إحدى مناطق بلادنا ضرب مثالاً للوفاء ، إذ لم يقتصر وفاؤه لأستاذته الذين دَرّسوه ، بل امتد لأبنائهم حينما مات أساتذته ـ رحمهم الله ـ ويزداد عجبك حين تعلم أنه يتواصل مع هؤلاء الأبناء وهم خارج المملكة سواء في مصر أو الشام ، فلله در هذا الرجل ، وأكثر في الأمة من أمثاله .

ورحم الله الإمام الشافعي حين قال : الحر من حفظ وداد لحظة ، ومن أفاده لفظة .


وفي واقعنا مواضع كثيرة تُفعل هذه القاعدة القرآنية الكريمة : {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} .. فللجيران الذين افترقوا منها نصيب ، ولجماعة المسجد منها حظ ، بل حتى العامل والخادم الذي أحسن الخدمة له منها نصيب ..


ولهذه القاعدة أيضا حضورها القوي في المعاملة ، قال بعض أهل العلم : "من بركة الرزق : أن لا ينسى العبد الفضل في المُعاملة ، كما قال تعالى : {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} .. البقرة :237 , بالتيسير على المُوسرين ، وإنظار المُعسرين ، والمُحاباة عند البيع والشراء ، بما تيسر من قليل أو كثير ، فبذلك ينال العبد خيراً كثيراً " ،،،، بهجة قلوب الأبرار : (37)



نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا هو ، وأن يصرفنا عن سيئها لا يصرف عن سيئها إلا هو سبحانه ...







--
                                            

__________________________________________
هل ترغب في  نشر إيميل عبر كوفينا  ماعليك سوى ارسال مشاركتك على العنوان التالي وسيتم مراجعتها ونشرها 
للاشتراك في مجموعة كوفينا إرسل إيميل فارغ الى العنوان التالي 
ارشيف الايميلات على مدونة كوفينا 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق